عود ثقاب ..
متي يتحول الكامن والساكن والمكبوت إلي شئ معتاد ومألوف بل و مرفوض وممقوت في بعض الأوقات ولا يشغل حيزا من فراغ قلبي ؟.. متي تهدأ تلك النيران المشتعلة المستعرة في جنباتي والتي تجعل بعضي يأكل بعضي ؟ متي تكف روحي عن التطلع والتعلق والانجذاب نحو الجنس الآخر والتأمل في تفاصيله والتدقيق في قسماته ومحاولة استكشافه وكأنها كائنات فضائية هبطت عليّ من عالم آخر ؟ متي سأتوقف عن البحث عن أشياء لا تعرف نفسي كنهها ولا يزيدني هذا البحث إلا حيرة وجنونا واضطرابا ؟..
إلي متي سيطول انتظاري لها كانتظار "الأكسجين" الذي كل ما فيه نابض بالحياة ولكنه أبدا لا يشتعل إلا في وجود "مادته القابلة للإشتعال" ؟.. متي يهدأ روع النفس وتنتظم الأنفاس بعد أن طال مكوثي منفيا خارج حدود متع الحياة و مباهجها وملذاتها ؟.. ولا سبيل أمامي للعودة إليها مجددا إلا بالثورة علي ما أنا كائن فيه للتخلص من وحشة منفاي وغربة نفسي و حطيم قيود حرماني فليس مَنْ قرأ كمَنْ بكفيه لامس وليس مَنْ سمع كمَنْ بشفتيه ارتوي وليس مَنْ رأي كمَنْ بأحضانه ذاق دفء العناق ..
فالنبتة تتور وتتمرد علي واقعها عند تعرضها للحرمان والاحتياج حينما تستشعر أن هناك خطرا يحدق بحياتها ولكنها لا تقف مكتوفة الأيدي عندما لا تلبي الأرض التي تحتضن جذورها حاجتها من الماء .. أو عندما يتواري ضوء الشمس وعنها يختبئ .. فترفع علي الفور حالة التأهب إلي الدرجة القصوي وتتمدد جذورها في الأعماق بحثا عن ماء تروي به ظمأها أو يستطيل ساقها ويميل بحثا عن شعاع شمس يحمل الغذاء بين كفيه وإن لم تفعل فلن يكتب لها البقاء علي قيد الحياة ..
قد تنتهي حياة تلك النبتة ولكنها لمرة واحدة فحسب تموت .. أما أنا من لديه قلب ينبض وروح تهفو وعين ترنو وشفاه عطشي ونفس تشتاق فيجعلني هذا المكبوت في اليوم والليلة عشرات المرات أموت .. حتي أنه يسيطر علي فكري وخيالي وخاطري ويتملكني الشعور بأن أتمني أن أشتعل كـ "عود ثقاب" أعلم يقينا أن بقائه يستمر لثوانٍ معدودات ثم لا يلبث إلا وأن يخفت بريقه وشيئا فشيئا ينطفئ ولكنه كم تاق أن يدفع حياته ثمنا لقاء مرة واحدة فيها يشتعل ..
أحمد محمد الملاح التائه ..