خَيَاَلٌ مِنْ وَحَيْ اَلَوَاَقِعْ .. نبحث في واقعنا عمَنْ نقدم لهم أنفسنا لنري في أعينهم بريق الإنبهار والإعجاب وكأن كل شئ فينا بين غمضة عين والتفاتتها تبدل وتغير وتجدد دون "مونتاج" أو "رتوش" أو محاولة منا للتجمل وكأن كل شئ فينا لم يُرَ أو يُسمع من قبل .. مع أن حديثنا هو نفس الحديث وضحكاتنا هي نفس الضحكات وقسمات وجوهنا هي نفس القسمات التي ملّها وتشبع منها مَنْ يتقاسمون معنا أنفاس الحياة .. وعندما يضيق بنا الحال ويطول بنا الإنتظار تمتد بنا رحلة البحث لتصل إلي هذا العالم الساحر الحالم الذي يتم التعارف فيه من خلال صورة ثابتة نلتقطها أو ننتقيها لتنوب عنا وكلمات صامتة تكتبنا لتعبر عن مكنون صدورنا .. وتحدث المفارقة حينما نطلق العنان لخيالنا وخاصة مع قدرة البعض الفائقة في أن يصرف أذهاننا وفكرنا وتصورنا إلي حيث ما كان يتمني هو أن يكون ولم يُقدّر له وليس ما هو كائن عليه بالفعل .. وعندما يتم اللقاء قد تتحول هذه المفارقة إلي مأسأة حينما نرجئ ونعطل قليلا هذا الخيال الذي تكون روافده وجذوره وثيقة الصلة بالأحلام والأمنيات التي ننسجنها ونحيكها مع أنفسنا ليحين دور الخيال الذي نستلهمه من وحي الواقع .. وليس من الضروري أن نكون نحن دائما مَنْ يتفاجئ حد الصدمة بالآخر فقد يكون هذا الآخر هو مَنْ يُصدم فينا ومن ثم يلفظنا ويرفض كل ما فينا .. ولكن مهلا لماذا لا نعمل العقل قليلا بدلا من الاستغراق في خيال كم أنهكنا وأرهقنا ونساءل أنفسنا .. ماذا كنا ننتظر أو نتوقع عندما تسنح لنا فرصة اللقاء بهذا الآخر ؟ لما لم نضع في حسباننا أنه في الأخير إنسان مثل مَنْ نقابلهم من أناس في حياتنا اليومية ؟ ثم لماذا نخلع عليه بيننا وبين أنفسنا صفاتا فوق صفات البشر ثم لا تلبث كل أحلامنا إلا وأن تتلاشي وتتبخر عند رؤيته واقعا للمرة الأولي ؟ .. ولِمَ العجب وقد وقعت بنفسي في هذه الإشكالية حينما جذبتني عيونا تتطلع من خلف كواليس فرحت أتخيل وجهها فلم كشفت عنه لم يكن هناك ثَمّة علاقة بين الخيال والواقع .. ويتكرر ما حدث ولكن بسيناريو مختلف حينما حادثتني إمرأة لا يبدو من وجهها سوي عينيها فأخذت تُعَرِفني بنفسها وأنها تعرفني فرحت أنتقي من الكلمات أحلاها وأستمع إليها بشغف وما أن عرفتها حتي تحول اهتمامي إلي لامبالاة .. فإذا كان الخيال هو ما يجعلنا في بادئ الأمر نرتضي أن نتواصل مع الآخر فلماذا لا نتقبله بكل ما فيه طالما أنه سبق وتقبلنا روحه وفكره وكلماته وربما تعلقنا بتلك الصورة التي كنا علي يقين أنها ليست له ؟! ولنتذكر أن هناك مَنْ يحيون في وحدة وعزلة وينتظرون أي بارقة أمل تمنحهم طوق حياة كذلك الشاب الذي طال انتظاره لحبيبته التي لم يرها من قبل بضعة أيام في مكان تحط فيه طائرة الشوق ولكنها أبدا لم تأتِ .. أحمد محمد الملاح التائه ..

Теги других блогов: خيال واقع تصور